الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد (نسخة منقحة)
ومن ذلك أيضًا: (آية الله، حجة الله، حجة الإسلام)، فإنها ألقاب حادثة لا تنبغي لأنه لا حجة لله على عباده إلا الرسل.وأما آية الله، فإن أريد به المعنى الأعم، فلا مدح فيه لأن كل شيء آية لله، كما قيل: وإن أريد المعنى الأخص، أي: أن هذا الرجل آية خارقة، فهذا في الغالب يكون مبالغًا فيه، والعبارة السليمة أن يقال: عالم مفت، قاض، حاكم، إمام لمن كان مستحقًا لذلك.في (الصحيح) عن أبي هريرة عن النبي قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى مالك الأملاك، لا مالك إلا الله».قوله: (في الصحيح) انظر الكلام عليها (ص 146).قوله: «إن أخنع اسم». أي: أوضع اسم، والمراد بالاسم المسمى، فأوضع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لأنه جعل نفسه في مرتبة عليا، فالملوك أعلى طبقات البشر من حيث السلطة، فجعل مرتبته فوق مرتبتهم، وهذا لا يكون إلا لله عز وجل، ولهذا عوقب بنقيض قصده، فصار أوضع اسم عن الله إذا قصده أن يتعاظم حتى على الملوك، فأهين، ولهذا كان أحب اسم عند الله ما دل على التذلل والخضوع، مثل: عبد الله وعبد الرحمن، وأبغض اسم عن الله ما دل على الجبروت والسلطة والتعظيم.قوله: «لا مالك إلا الله». أي لا مالك على الحقيقة الملك المطلق إلا الله تعالى.وأيضا لا ملك إلا الله عز وجل، ولهذا جاءت آية الفاتحة بقراءتين: {ملك يوم الدين} و: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 4]، لكي يجمع بين الملك وتمام السلطان، فهو سبحانه ملك مالك، ملك ذو سلطان وعظمة وقول نافذ، ومالك متصرف مدبر لجميع مملكته.فالله له الخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مدبر إلا الله، ولا مالك إلا الله، قال تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} [فاطر: 3]، فالاستفهام بمعنى النفي، وقد أشرب معنى التحدي، أي إن وجدتموه فهاتوه، وقال تعالى: {إن ربك هو الخلاق العليم} [الحجر: 86] فيها توكيد وحصر، وهذا دليل انفراده بالخلق، وقال تعالى: {إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له} [الحج: 73]، فـ: {الذين}: اسم موصول يشمل كل من يدعى من دون الله: {لن يخلقوا ذبابًا}، وهذا على سبيل المبالغة، وما كان على سبيل المبالغة، فلا مفهوم له كثرة أو قلة.وقال تعالى: {تبارك الذي بيده الملك} [الملك: 1]، وقال تعالى: {قل اللهم مالك الملك} [آل عمران: 26]، وهذا دليل انفراده بالملك، وقال تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} [يونس:31] وقال تعالى: {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون الله} [المؤمنون: 88].قال سفيان: (مثل شاهان شاه). وفي رواية: «أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه».قوله: (أخنع)، يعني: أوضع.* قوله: (قال سفيان هو ابن عيينة: مثل شاهان شاه). وهذا باللغة الفارسية، فشاهان: جمع بمعنى أملاك، وشاه مفرد بمعنى ملك، والتقدير أملاك ملك، أي: ملك الأملاك، لكنهم في اللغة الفارسية يقدمون المضاف إليه على المضاف.* قوله: وفي رواية: «أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه».أغيط: من الغيظ وهو الغضب، أي: أغضب شيء عند الله عز وجل وأخبثه هو هذا الاسم، وإذا كان سببًا لغضب الله وخبيثًا، فإن التسمي به من الكبائر.وقوله: (أغيظ). فيه إثبات الغيظ لله عز وجل، فهي صفة تليق بالله عز وجل كغيرها من الصفات، والظاهر أنها أشد من الغضب.* فيه مسائل:الأولى: النهي. عن التسمي بملك الأملاك، الثانية: أن ما في معناه مثله، كما قال سفيان.الثالثة: التفطن للتغليظ في هذا ونحوه مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه، الرابعة: التفطن أن هذا لأجل الله سبحانه.فيه مسائل:*الأول: النهي عن التسمي بملك الأملاك. وتؤخذ من قول الرسول: «إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك»، والمؤلف يقول: النهي عن التسمي والنهي شرعًا لا يستفاد من الصيغة المعينة المعروفة. فحسب، بل إذا ورد الذم عليه، أو سب فاعله، أو ما أشبه ذلك، فإنه يفيد النهي، وصيغة النهي ذم أو وعيد أو ما أشبه ذلك، فهو متضمن للنهي وزيادة.* الثانية: أن ما في معناه مثله كما قال سفيان. والذي: في معناه: قاضي القضاة، وحاكم الحكام، وشاهان شاه في الفارسية.* الثالثة: التفطن للتغليظ في هذا ونحوه، مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه. أي لم يقصد أنه ملك الأملاك أو قاضي القضاة، لعلمه أن هناك من هو أبلغ ملكًا وأحكم قضاء.وإذا سمينا شخصًا بقاضي القضاة أو حاكم الحكام وهو ليس كذلك، بل هو من أجهل القضاة ومن أضعف الحكام، جمعنا بين أمرين: بين الكذب، والوقوع في اللفظ المنهي عنه، وأما إذا كان أعلم أهل زمانه، أو أعلم أهل مكانه، ويرجع القضاة إليه، فهذا وإن كان القول مطابقًا للواقع لكنه منهي عنه، مع أن القلب لم يقصد معناه.* الرابعة: التفطن أن هذا لأجل الله سبحانه يؤخذ من قوله: «لا مالك إلا الله»، فالرسول أشار إلى العلة، وهي: «لا مالك إلا الله»، فكيف تقول: ملك الأملاك وهو لا مالك إلا الله عز وجل؟.* الفرق بين ملك ومالك:ليس كل ملك مالكًا، وليس كل مالك ملكًا، فقد يكون الإنسان ملكًا، ولكنه لا يكون بيده التدبير، وقد يكون الإنسان مالكًا ويتصرف فيما يملكه فقط، فالملك من ملك السلطة المطلقة، لكن قد يملك التصرف فيكون ملكًا مالكًا، وقد لا يملك فيكون ملكًا وليس بمالك، أم المالك، فهو الذي له التصرف بشيء معين، كمالك البيت، ومالك السيارة وما أشبه ذلك، فهذا ليس بملك، يعني: ليس له سلطة عامة.ويستفاد من الحديث أيضًا:1- إثبات صفة الغيظ لله عز وجل، وأنه يتفاضل لقوله: (أغيظ)، وهو اسم تفضيل.2- حكمة الرسول في التعليم، لأنه لما بين أن هذا أخنع اسم وأغيظه أشار إلى العلة، وهو: «لا مالك إلا الله»، وهذا من أحسن التعليم والتعبير، ولهذا ينبغي لكل إنسان يعلم الناس أن يقرن الأحكام بما تطمئن إليه النفوس من أدلة شرعية أو علل مرعية، قال ابن القيم: فالعلم أن تربط الأحكام بأدلتها الأثرية أو النظرية، فالأثرية ما كان من كتاب أو سنة أو إجماع، والنظرية: العقلية، أي: العلل المرعية التي يعتبرها الشرع.
|